بصرة العراق
موقع البصرة القديمة كان في المنطقة التي بنيت فيها مدينة
الزبير الحالية ، وتتسع إلى الشمال منها حيث تم العثور على بقايا
لقصور قديمة من قصور البصرة تقع إلى الشمال من مدينة الزبير . وكان
هنالك نهر يمتد من شط العرب إليها ، وقد درس ذلك النهر ، كما حفر
العرب عدة انهر تتصل بعضها ببعض لتروي المدينة وبساتينها من جميع
جهاتها حتى أصبحت تلك الأنهار وما يحيط بها من قصور وبساتين تعتبر
جنة الله على الأرض وكما سنرى .
تاريخ الموقع قبل بناء المدينة : بنيت البصرة على أنقاض معسكر
للفرس في منطقة كانت تدعى الخريبة . كما وان هنالك مدينة أثرية
يعتقد بعض المؤرخين انه تم بناؤها في زمن نبوخذ نصر تدعى طريدون ،
وادعى آخرون إنها كانت مدينة آشورية ، حيث كان لهذه المدينة سد
يحميها من ارتفاع منسوب مياه البحر ، فان صح هذا فان طريدون أو
تريدون تكون جنوب مدينة الزبير قرب خور الزبير في الوقت الحاضر ،
بينما يعتقد الرحالة جسني إن موقع طريدون هو قرب جبل سنام والذي
يبعد عن جنوب مدينة الزبير بحوالي ثلاثة عشر ميل ، فإذا كان ذلك
صحيحاً فيجب أن يكون خور الزبير والذي هو امتداد للخليج العربي
يمتد إلى جبل سنام أيام الدولة البابلية (المؤلف) .
سبب اختيار موقع المدينة : اقتضت الضرورة التي فرضتها الفتوحات
الإسلامية على العرب إنشاء مدن عسكرية أو معسكرات سكنية للجنود
المحاربـين لتخدم عدة جوانب ، أهمها انه اصبح من غير المنطقي على
الجندي المقاتل أن يذهب لزيارة أهله في فترات معقولة لبعد المسافة
، فالمجاهد الذي قدم من اليمن أو عمان يحتاج إلى اشهر طويلة لكي
يصل إلى موطنه ويحتاج إلى نفس ذلك الوقت للعودة وهذا يعني انهم
سيضيعون نصف وقتهم وجهدهم في مثل هذه الأسفار الطويلة الشاقة ، مما
يحرم جبهات القتال من فترات غيابهم الطويلة ، كذلك كان لا بد من
إيجاد معسكرات ثابتة للتحرك منها لضرب قواعد العدو أو طرق وقوافل
إمداداته ، أو شن الحملات السريعة المفاجئة عليه ، أو لصد هجمات
العدو ، أو لنجدة بقية الجبهات عند الحاجة . كذلك إيجاد مقرات
بعيدة على حافة الصحراء لا يجرأ العدو من الوصول إليها لمعالجة
المصابين وقضاء فترة النقاهة بعيداً عن الخطوط الأمامية الخطرة
والمتحركة دائماً ، كما يستطيع أن يترك بها المقاتل زوجته أو ما
يحصل عليه من الغنائم كي لا تعيق حركته أثناء القتال . كل هذه
الأسباب وغيرها جعلتهم يفكروا بإنشاء مثل هذه المدن .
كانت البصرة أول المدن التي أنشأت لهذا الغرض ، فقد أرسل بعض الجند
إلى الخليفة عمر بن الخطاب انهم وجدوا منطقة أعجبتهم أثناء توغلهم
في إيران تقع قرب طاسان ، فرفض الخليفة ذلك وقال لا أريد أن يكون
بينكم وبيني نهر دجلة (المقصود به هنا شط العرب ، فانهم كانوا
يسمونه إما دجلة أو دجلة العوراء ، والذي كان عرضه يمتد إلى اكثر
من خمسة أميال في بعض المناطق – راجع ذلك في شط العرب) . ثم جاءه
رجل من بني سدوس يقول : يا أمير المؤمنين أني قد مررت بأرض دون
دجلة أي قبل عبور دجلة ، فيه قصر ومسالح (معسكرات) للفرس يقال له
الخريبة ويدعى ايضاً البصيرة يبعد عن دجلة أربعة فراسخ ، وله خليج
على البحر (يبدو أن خور الزبير كان يمتد إلى قرب البصرة القديمة
تلك الأيام) فاعجب الخليفة بهذا الموقع وأمرهم باتخاذ ذلك المكان
قاعدة لهم .
ا